خطبة الجمعة ١٧ جمادى الأولى ١٤٤٢
الخطبة الاولى :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ما ترك خيرا الا دلنا عليه و لا ترك شرا الا حذرنا منه.
و نعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشركه و همزه ونفخه و نفثه و وسوسته و نعوذ بالله من شرور جنوده اجمعين.
اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]،
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛
أما بعد:
ستكون خطبتنا هذا اليوم عن اهم مهارة في الحياة .
مهارة يجب علينا ان نتقنها و ان نعلمها اولادنا و موظفينا و كافة المسلمين و البشر كافة ، مهارة اذا اتقنها الانسان كانت له سبب هام في النجاة من النار و دخول الجنة بإذن الله و سبب في الفلاح و النجاح في الدنيا والآخرة.
انها مهارة اتخاذ القرار
و مفهوم اتخاذ القرار هو:
عملية الاختيار الامثل من بين بديلين أو اكثر.
عباد الله:
لقد قدر الله اقدارا و سننا لا ترد و ليس للانسان و لاحد من خلقه ان يردها . و ايضا جعل للانسان القدرة و الارادة فيما يحدد مصيره في الدنيا و الاخرة.
تأمل قول الله تعالى
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
و تدبر قول الله سبحانه تعالى:
و هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا
و قال تعالى
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) }
وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} [الليل]
وقال سبحانه وتعالى
ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا (39)
و قال تعالى
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
و قال تعالى
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
ايها المسلمون
ان المتدبر في الايات السابقة ليعلم تمام العلم ان الله قد جعل للانسان قدرة على الاختيار في الحياة الدنيا ، و ذلك من تمام عدله سبحانه وتعالى.
عباد الله
تدبروا هذه الآيات قال الله سبحانه و تعالى لابينا آدم عليه السلام :
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ(35)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36)
عباد الله
ان الشيطانَ حاضرٌ في كل قرار يتخذه الانسان في حياته
لكي يجعله يتخذ القرار الذي يبعده على مصلحته في الدنيا والاخرة ، فالشيطان يريد ان يكون الإنسان شقيا في الدنيا والآخرة، يريده مشركا ضعيفا مريضا فقيرا حزينا بائسا خاسرا في الدنيا والآخرة.
و ان كل قول وصمت و كل فعل وترك وكل شعور ايجابي و سلبي انما هو قرار يتخذه الانسان
و ان الله سبحانه و تعالى من تمام عدله ان اعطى الانسان القدرة على الاختيار الانسب.
فالانسان يدخل الإسلام ويخرج منه بقرار و يؤمن ويكفر بقرار و يشكر و يجحد بقرار و يطيع الله و يعصيه بقرار و يتعلم و يجهل بقرار و يغنى ويفقر بقرار و يصح و يمرض بقرار و يقوى و يضعف بقرار
ان حياتنا كلها عبارة عن اتخاذ قرارات و قد نصيب و قد نخطي فان اصبنا سعدنا في الدنيا والآخرة و ان اخطأنا عمدا او اهمالا شقينا في الدنيا والآخرة.
عباد الله:
ان عملية البيع والشراء و الزواج و الطلاق و اداء أركان الإسلام و تركها و السفر و الاقامة و اختيار التعلم او الجهل و الاقدام على الطاعة المعصية و انفاق المال في الحلال والحرام و المحافظة على الصحة و القيم و التعامل الحسن مع جميع الناس انما هي قرارات ، فمنا من يحسن اتخاذ القرار و منا من يسيء قراراته.
عباد الله
ان كل قرار يسعدك و يحقق لك الحياة الطيبة و يرضي الله سبحانه و تعالى و يقربك من الجنة و يبعدك عن النار فهو قرار رشيد.
ولذلك فنحن ندعو الله في كل صلاة و نقول:
اهدنا السراط المستقيم
اللهم اهدنا السراط المستقيم في كل قرار نتخذه يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم و نفعنا بهدي سيد المرسلين. و استغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وله الأمر وإليه ترجعون.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعـــد:
فقد اولى العلماء اهتماما كبيرا في تحديد خطوات عملية اجرائية لاتخاذ القرار الرشيد و ان العمل بهذه الخطوات لهو من التوكل على الله حق توكله قال الله سبحانه و تعالى
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
و إليكم مراحل عملية اتخاذ القرار:
1. تحديد المشكلة وتشخيصها أو تحديد الهدف النهائ من التغيير
و هذه المرحلة من أهم المراحل التي يجب على الفرد توخي الدقة والإتقان في أدائها، فتحديد المشكلة و تحديد الهدف مرحلة حساسة تترتب عليها المراحل القادمة، فالخطأ في هذه المرحلة يؤدّي إلى الفشل في جميع الخطوات التي تتبعها و هنا والله يحظر ابليس وجنوده و يكثفون جهودهم في هذه المرحلة لاهميتها ، فمثلا قرر انسان ان يدخل الجنه أو ان يزيد من دخله الحلال او ان يحافظ على صحته أو ان يحل مشكلة للمسلمين أو للبشر هنا يحضر ابليس و جنوده لافشال المشروع و إجهاضه في مهده وان قرر الانسان ان يكفر أو يشرك أو يعصي الله أو ينشر منكرا أو يطلق أو يفسد في الارض فان ابليس و جنوده يزينون الهدف و يزينون الخطوات و يدعمون ذلك.
2. جمع البيانات والمعلومات والبدائل ، في هذه المرحلة يجب ان نجمع المعلومات من مصادرها الصحيحة و الموثقة ، و يجب ان تكون مكتوبة واضحة كاملة ، و هنا يجب استشارة اهل العلم الموثوقين كل في تخصصه.
3. تحديد البدائل المتاحة و قد تكون اثنين او كثر داخلية او خارجية سهلة او صعبة و هنا ايضا يحضر ابليس و جنوده اما صرف الانسان عن ما يحقق شكر الله او بتوجيهه لكفر النعم او بتقديم المفضول على الفاضل و يسعى ابليس في هذه المرحلة الى صرف الانسان عن الموارد الصحيحة او نقصها او للتعجيل او التسويف او اعجاز الانسان و تكسيله او اعاقته او ايقافه.
4. التقييم العلمي للبدائل واختيار أفضلها ، و هناك مصفوفة جميلة ابتكرها الانسان للمقارنة بين البدائل المتاحة بحيث تكون البدائل في العمود الايمن و تكون معايير الاختيار في رؤوس الأعمدة الاخرى ثم نجعل لكل معيار نقاط ايجابية و نجمع النقاط في كل صف لكل بديل و سنحصل على أعلى نقاط للبديل الأفضل.
5. اختيار البديل المناسب
6. التنفيذ الفوري للقرار ومتابعته بعد عملية اختيار البديل المناسب تأتي عملية التنفيذ، وتتبعها بداية ظهور الآثار النتائج المترتبة عليها سلبية كانت أم إيجابية، وبروز نقاط القوة والضعف، وبدء عملية تقييم النتائج المترتبة، ومدى كفاءتها في تلبية المتطلبات التي وُضعت لأجلها، وفي حال عدم تحقق النتائج المرجوّة من القرار يجب إعادة هيكلة قرارات بديلة وتصحيحيّة؛ لسد الثغرات الحاصلة، وإيجاد البدائل والحلول المناسبة من جديد.
اخواني الكرام
و في هذه الايام تبذل المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة على المستوى المحلي والدولي في مكافحة جائحة كورونا و من ذلك صرف لقاح كورونا مجانا للجميع و لم يتخذوا ذلك الا بعد الاجتهاد و التمحيص و الان بامكانك ان تطبق الخطوات العملية لاتخاذ القرار بتلقي لقاح كورونا، و سوف تصل حتما الى القرار الرشيد الذي وصل اليه علماء الصحة و كبار المسؤولين و عقلاء البشر.
عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة))؛
اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد و بارك على محمد وال محمد كما باركت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد
السلام عليك ايها النبي و رحمة الله و بركاته
عباد الله:
واني داع فأمنوا تقبل الله منا ومنكم
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله اكبر و لا حول ولا قوة الا بالله
اللهم انا نسألك بان لك الحمد لا اله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
يا ربنا الاكرم يا حي قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الجلال والإكرام اللهم اغفرلنا و ارحمنا و اهدنا وارزقنا واشفنا واكفنا و عافنا واعف عنا
و اصلح لنا ديننا و دنيانا وآخرتنا
و اصرف عنا السوء والفحشاء وكيد الاعداء و ان نقول عليك ما لا نعلم
اللهم احفظ بلادنا و حكامنا و علمائنا و قيمنا و تعليمنا و حدودنا و انصر جنودنا و مكن لنا في الارض
اللهم اجعل لنا في قلوبنا نورا وفي ابصارنا نورا و في اسماعنا نورا و في وجوهنا نورا و في السنتنا نورا و في اقلامنا نورا وفي حياتنا نورا و في قبورنا نورا واجعل لنا يوم الحشر نورا و على السراط نورا و يوم ندخل الجنة نورا.
اللهم اغفر لنا و لوالدينا و للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات
اللهم ارحم موتانا و موتي المسلمين اللهم اغفرلهم واحمهم و عافهم واعف عنهم واكرم نزلهم و وسع مدخلهم و جازهم بالحسنات احسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا.
اللهم أعنا على شكرك و ذكرك و حسن عبادتك
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .
كتبها لكم محبكم العود
لاحق محمد أحمد لاحق
في ١٧ جمادى الاولى ١٤٤٢
أَبْهَا البَهِيَّه
مسجد حمزة بن عبدالمطلب رضي الله